حملة إنجلترا على الجزائر
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
حملة إنجلترا على الجزائر
كانت الدول الأوربية دائما بالمرصاد لأعمال
الجهاد البحري التي تمارسها البلدان المغربية ، فقد أثارت تلك القضية مرارا
وتكرارا في مؤتمراتها ، والتي كان من بينها "
إكس لا شابيل " الذي انعقد عام 1818م فهو أخر المؤتمرات التي ناقشت القضية ، وفيه تمكن ممثلو الدول الأوربية من توقيع بروتوكول في 20 نوفمبر 1818م جاء فيه " اتفق المفاوضون طبقا لنص بروتوكول على أن يوصلوا في المؤتمر الوزاري الذي سيعقد في لندن للنظر في مختلف المشروعات المقترحة لإلغاء القرصنة التي تمارسها الدول البربرية بطريقة فعالة ...فقد طلبوا من مندوبي بريطانيا و فرنسا بوصفهما ممثلين للبلاطين ، يجب أن يكون لنفوذهما ثقل أكبر لدى الإيالات ، أن يوجها إليهما إنذارات جدية لأن استمرارها على نظام القرصنة الذي يضايق التجارة السليمة ...وتحتفظ البلاطات الخمس بحقها في تحذير الباب العالي أيضا بضرورة ما يمكن أن تتعرض لها الإيالات البربرية نتيجة لاستمرارها في ممارسة القرصنة ، من حيث ستكون سببا في قيام الدول الأوربية باتخاذ إجراءات حاسمة ".
إكس لا شابيل " الذي انعقد عام 1818م فهو أخر المؤتمرات التي ناقشت القضية ، وفيه تمكن ممثلو الدول الأوربية من توقيع بروتوكول في 20 نوفمبر 1818م جاء فيه " اتفق المفاوضون طبقا لنص بروتوكول على أن يوصلوا في المؤتمر الوزاري الذي سيعقد في لندن للنظر في مختلف المشروعات المقترحة لإلغاء القرصنة التي تمارسها الدول البربرية بطريقة فعالة ...فقد طلبوا من مندوبي بريطانيا و فرنسا بوصفهما ممثلين للبلاطين ، يجب أن يكون لنفوذهما ثقل أكبر لدى الإيالات ، أن يوجها إليهما إنذارات جدية لأن استمرارها على نظام القرصنة الذي يضايق التجارة السليمة ...وتحتفظ البلاطات الخمس بحقها في تحذير الباب العالي أيضا بضرورة ما يمكن أن تتعرض لها الإيالات البربرية نتيجة لاستمرارها في ممارسة القرصنة ، من حيث ستكون سببا في قيام الدول الأوربية باتخاذ إجراءات حاسمة ".
ونظرا
لكون انجلترا و فرنسا مكلفتان بالاتصال مع دول شمال إفريقيا وفقا لقرارات المؤتمر
فقد أوفد الأميرال "جوليان" و " فريمونتل
" الانجليزي ، و الذين خصص لهما الداي مقابلتين يوم 05 و 09 سبتمبر 1819م
للتصريح الذي أقرته الدول الأوربيةة في مؤتمر إكس لاشابيل ، إلا أن الداي حسين رفض
الامتثال لتلك القرارات ، وقال بأنه لن يستسلم لقرارات ملوك أوربا مهما كانت
الظروف
.
وأن إيالته حرة في أن
تحارب و تسالم من تشاء ، وأكد بأنه سيواصل تفتيش جميع السفن الأجنبية. بالإضافة
إلى ذلك عمل على مضاعفة النشاط البحري وقام باستدعاء جميع قناصلة الدول الأوربية
وأنذرهم بأن أي بلد يتماطل في تسديد الضرائب و الهدايا المعهودة إلى الحكومة
الجزائرية يعتبر عدواً .
وفي
عام 1823م فرضت الحكومة الجزائرية الرقابة على الهيئات الأجنبية التي بدأت تتدخل
في شؤون الإيالة خاصة القنصلية الفرنسية في مدينة عنابة التي كانت تستورد الأسلحة
وتبيعها إلى القبائل الجزائرية لإثارتها ضد السلطة الحاكمة .
وقد تزامنت تلك
الأحداث مع تمرد القبائل بمدينة بجاية ، الأمر الذي جعل الداي حسين يرسل مذكرة إلى
القناصل المقيمين بمدينة الجزائر يطالبهم بتسليم جميع الأشخاص الذين يعملون لديهم
و الذين ينتمون إلى المنظمة الثائرة،لكن قنصلي أمريكا وبريطانيا لم يستجيبا لذلك
الطلب وأصرا على عدم الامتثال لأوامر الداي ، مع ذلك تمكنت الحكومة الجزائرية من
القبض على خدم القنصليات باستعمال القوة و الحيلة ، الأمر الذي أدى إلى توتر
العلاقات بين الجزائر و بريطانيا .
وحسب الزهار فإن
توتر العلاقات بين البلدين سببه اعتداء عاملين في القنصلية الانجليزية على سفينة
أمريكية هاج عليها البحر فالتجأت إلى ساحل بجاية ، بحيث أنهم نهبوا ما فيها وقتلوا
بعض النصارى ، إلا أن القنصل الانجليزي رفض تسليمهم إلى الداي لمعاقبتهم، لكن شالر
يرى أن السفينة التي أشار إليها الزهار وقعت في 21 سبتمبر 1824 م ،أي بعد الحرب
الانجليزية الجزائرية بنحو شهرين ، مما يجعل السبب الذي أشار إليه الزهار مستبعدا
في كونه سبب توتر العلاقات بين الجزائر و انجلترا .
في يوم 2 ديسمبر
1824م ، انعقد اجتماع آخر تمخض عنه تحرير مذكرة احتجاج ضد أعمال الحكومة الجزائرية
في الفترة ما بين 22
– 26 أكتوبر
1823م ، لكن الداي اعتبر الموقف تدخل في شؤونه الخاصة.
وعلى
أساس هذا الرد فقد وصلت الباخرة الانجليزية ( ينادا)
بقيادة القبطان " سبنسر " في جانفي 1824م تحمل معها توصيات للقنصل
الانجليزي " ماك دونال " تتعلق بحوادث أكتوبر الفارطة ، كما اشتملت تلك
على بنود إضافية للمعاهدة التي أبرمت بين الجزائر و انجلترا بعد حملت اللورد
إكسموث عام 1812م ، إلا أن الداي رفض التوقيع عليها ، بحجة أنها لا تحمل الخاتم
الحقيقي للدولة البريطانية ، وغم رفض الداي لمطالب القنصل الانجليزي ، فإن هذا
الأخير بقي مصرا على التفاوض مع حكومة الجزائر ، وهذا ما أكدته الرسالة التي وجهها
إلى القنصل الأمريكي "شالر" والتي قال فيها بأنه سيواصل مفاوضاته من أجل
التوقيع على البنود التي وجهتها الحكومة إلى الداي دون أن يتنازل على شيء من مضمونها .
وقد وجه الداي حسين
إلى السلطان العثماني " محمود الثاني " بشأن الخلافات التي نشبت بين
الجزائر وانجلترا ومما جاء فيها :«...رغم
الصلح الذي أبرم بين البلدين بعد حرب 1816م فإن الانجليز ما يزالوا ينظرون إلى
القضية نظرة غالب و مغلوب ، ويعتبرون أنفسهم غالبين و الجزائريين مغلوبين ، وعلى
هذا الأساس يتصرفون بما لا يتفق مع الصلح المبرم بين البلدين حيث يأتون بسفنهم إلى
واجهة الميناء ويظهرون قوتهم أمام الجزائريين للضغط عليهم وتخويفهم، ولما رست
سفنهم غرب المدينة خرج القنصل الانجليزي من قصره وذهب إليها ، ثم أرسل شخصا إلى
أمير الأوجاق يعرض عليه شروط قاسية ، وذك القنصل أنه لا يرجع إلى قصره إلا إذا
وافق الأمير على هذه الشروط ، وبعد أن تلقي الأمير تلك التهديدات عقد اجتماعا مع
ديوانه للنظر في شروط القنصل الانجليزي ، واتفق المجتمعون على رفض الشروط المعروضة
عليهم...
»، وأمام رفض الداي لشروط القنصل الانجليزي ، قام الانجليز بفرض
حصار بحري على السفن التجارية الجزائرية ، الأمر الذي أدى إلى اشتباك إحدى السفن
الحربية الجزائرية بقيادة الرايس " قدور باصون " مع الأسطول الانجليزي
في جانفي 1824م.
وقد أشاد شالر
بالمقاومة الشديدة التي أبداها الجزائريون إثر ذلك الاشتباك حيث قال:«...وقد أبدت السفينة الجزائرية شجاعة نادرة المثال
...كانت مقاومة السفينة الجزائرية بردها بنيران مدافعها على نيران البارجة الكبيرة
شيئا مدهشا حقا ، كما كان سلوك بحارتها يشرف أي دولة في العالم ، فإن السفن
البريطانية ظلت تطلق نيرانها على نحو ثلاثة أرباع الساعة على نصف مرمى مسدس دون أن
تتغلب عليها وتحملها على الاستسلام ...».
وبعد هذا الصدام طلب
الداي من الحكومة الانجليزية تغيير قنصلها في الجزائر " ماك دونال "
بشخص آخر ، نظرا لما تسبب فيه من الفتنة و خلاف بين حكومته وإيالة الجزائر ،ونتيجة
لذلك عملة انجلترا على إرسال أسطول حربي تحت قيادة الجنرال " هاري نيل "
الذي وصل مدينة الجزائر في فيفري 1824م ، جاء بتعليمات مفادها أن الحكومة
الانجليزية تعتبر نفسها في حرب مع الجزائر ، وأمر بفرض حصار على الجزائر حتى يعدل
الداي عن رأيه ويقوم بتوقيع الصلح الذي عرضه عليه القنصل الانجليزي ، وقد تمثلت
مطالب القنصل الانجليزي في زيادة الحصانة الدبلوماسية إلى دار القنصل الريفية ،
وحق رفع العلم البريطاني فوق مبنى الدارين الريفي و الحضري ، والاعتراف بالقنصل
الانجليزي كعميد للقناصلة المسيحيين ، وإعطائه جميع الامتيازات المترتبة على ذلك ،
وإعفاء الأهالي الذين يخدمون القنصل الانجليزي من الضرائب وعدم مراقبة
الدبلوماسيين البريطانيين .
وعندما اجتمع الداي و
الديوان لدراسة الوضعية خلصا إلى القول :" إذا إستمرينا في الحرب وقاومنا
العدو ، فإن ذلك لا يكون إلا بإعانة من الله ثم بوصول الذخائر الحربية من قبل
سلطانها ،إن الكفار اتحدوا ضدنا وهو يضمرون النوايا السيئة اتجاهنا ، ومن المؤكد
أنهم سيتابعون الحرب حتى ولو تمكنا من تحطيم أسطولهم فإنهم قادرون على إرسال أسطول
جديد ، وأن الباب العالي سيكون عاجزا عن مواجهتهم هاته ، وعليه ونتيجة للمحادثات
السرية فإن الداي و الديوان قررا إعادة إمضاء الصلح "، وبذلك أطلق سراح 1500 أسير .
إن قسما من قلعتنا قد
أصابه الضرر ، أما سفن الأعداء اللعينة التي كانت في الميناء ، فقد أضرمت النار في
سفننا ، وقد كنا منشغلين أيضا خارج ترسانتنا بمراقبة خزائن ذخائرنا ومواردنا
وحدودنا ، وعن شروط الصلح الذي عقد بين انجلترا وإيالة الجزار يذكر شالر :«... وبعد معركة دامية دامت تسع ساعات خضعت الجزائر ،
وراحت تستجدي الرحمة من عدوها المنتصر ، وإثر ذلك صرح اللورد إكسموث بأنه لن يعلن
الحرب لتدمير المدينة ، وطلب في مقابل الصلح إطلاق سراح جميع العبيد المسيحيين ،
وإعادة مبلغ 350.000 دولار ، كان ملك نابولي وسردينيا قد دفعاه فدية لرعاياهم
الذين أطلق سراحهم في شهر أفريل ، كما طالب بتنازل الإيالة في المستقبل عن حقها في
استرقاق رعايا الدول المسيحية».
أما عن معاهدة الصلح
بين هولندا وإيالة الجزائر فقد ذكر الزهار : «...وكذلك
عقد الصلح مع الفلامينك ولم يدفعوا شيئا
مما كانوا يطلبونه منهم وهو غارمة ثلاث سنسن ثمنا للصلح ، تدفع في أجل معلوم.».
أما
الانجليز فقد استعملوا الحيلة وقد استفادوا من ساعة الانتظار تلك ودخلوا الميناء
وانتصبوا اتجاه القلاع ، ثم أحضروا المدافع و الأسلحة ، وبدؤوا المعركة التي اندفع
فيها الطرفان بكل عنف و قوة، وفي الواقع أن الداي عمر وقع في خطأ استراتيجي ، نظرا
لعدم إطلاق النار على الأسطولين من كسب المعركة كسب تاما ، وقال القنصل الأمريكي
شالر في هذا الصدد
:«...وبهذه
المناسبة تصرف الداي تصرفا يتسم بقلة التصميم و الحزم و لا يليق بشخصه ، فإن
الباشا لم يكتف بأن يعيد رسول الأميرال الانجليزي بدون جواب على إنذاره بل أنه سمح
في مفس الوقت أيضا للأسطول المشترك بأنه يختار المواقع الملائمة لقصف المدينة ،
دون أن تخطر في باله مقاومته ».
أضاف الداي في تقريره
إلى الباب العالي
:«لقد
كان الطقس ثقيلا في تلك الليلة ، فصوت المدافع كان شديدا كالرعد و القنابل تتساقط
على أوجاقكم البواسل وتسبب ذلك في مقتل و جرح ثلاث مائة شخص ، أما الكفار فيتراوح
عدد قتلاهم وجرحاهم ما بين ألفين وثلاثة آلاف ، بالإضافة إلى مقتل ثمانية عشر
ربابنة ، وفي تلك الليلة أحرق الأعداء أربع من بروجنا و حرقات أخرى ، ، أما أسطول
العدو فقد أحرق إثنان من سفنه وإثنان ذات جسور وأغلبية سفنه قد تضررت ، ومن الغد في
الصباح سادت الليلة في كلا الصفين ، وقد أرسل العدو إلينا مبعوثه ومترجمه وأخبرنا
" لقد لحقتنا الخسائر في كلا الجانبين غير أن هذا لا يصرفنا مطلقا عن متابعة
الحرب ، إن الدول قد اتفقت على محاربتكم وسيجبرونكم على عقد الصلح ، وإذا رفضتم
ذلك فإننا قررنا إعلان الحرب من جديد".».
وبعد أن يئس
الانجليز من محاصرة الجزائر بدون تحقيق أي هدف ، فقد طلب الأميرال " هاري بيل
" مقابلة الداي حسين ، وتمت المقابلة يوم 28 مارس 1824م وتوصل الطرفان في
نهاية الأمر إلى اتفاق بشأن بنود السلام ، إلا أن الداي رفض عقد الصلح ، كما رفض
استقبال القنصل الانجليزي ، كما أمر بكتابة رد على رسالة الأميرال " هاري بيل
" وهذا معناها :" أنه يرغب في الاستقرار بالسلام الذي يقبله بالشروط
التي عرضها عليه الأميرال ، ولكنه لن يقبل أبدا بعودة السيد " ماك دونال
" ، وأنه قد أُبلغ في الحال خبرا مؤداه أن بارجتين بريطانيتين قد قامتا بقصف
مدينة عنابة ، وأنهما قد أسرتا سفينة محايدة ، وأحدثتا أضرارا كبيرة ، وأن عددا من
رعاياه قتلوا وجرحوا وأن هذه التصريحات لا تتفق مع اللهجة التي استعملها الأميرال
بالأمس
".
وبقي الداي متمسكا
بموقفه رغم الحصار الانجليزي لمدينة الجزائر الذي دام ستة أشهر ، ونتيجة لتصلب
الداي لموقفه قرر الانجليز شن حملة عسكرية ضد الجزائر ، وقد ورد في إحدى الرسائل
التي وجهها القنصل الفرنسي في الجزائر " دو فال " إلى وزير الخارجية : «...إن الأسطول الانجليزي تقدم من جديد إلى الجزائر
يوم 11 يوليو ، وهو يتكون من ستة سفن شراعية تبحر بعيدا عن الميناء ، وفي اليوم
الثاني اقتربت إحدى السفن من الميناء و قصفت التحصينات وعندئذ صدرت الأوامر
للأسطول الجزائري بمطاردتها.».
وفي يوم 24 جويلية
أعاد الانجليز الكرة بقصف مدينة الجزائر ، وقد بلغ أسطولهم هذه المرة 22 قطعة ،
إلا أن المدفعية الجزائرية لم تستسلم وبدأت في إطلاق الرصاص و القنابل بنشاط حاد
على الانجليز . كما هاجم الانجليز الجزائر في اليوم التالي ، الأمر الذي أدى إلى
مغادرة جميع أهالي مدينة الجزائر إلى المرتفعات المحيطة بها ، ولم يبق في المدينة
إلا الجنود الذين دافعوا عن البلاد ببسالة ، وصمدوا أمام الأسطول الانجليزي ثلاث
ساعات ، الأمر الذي أجبر الانجليز أمام المقاومة الشديدة التي أبداها الجزائريون
إلى الانسحاب من ميدان المعركة وإبرام معاهدة صلح يوم 26 جويلية التي قبل فيها
الداي بشروط الانجليز ، بعد أن وافقوا على استبدال القنصل " ماك دونال " .
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
بحوث مدرسية جاهزة نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 commentaires: