رواية غدر الزمان
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
رواية غدر الزمان
انتزع ساقين متخاذلتين يكبلهما دبيب آلاف من قوافل النمل
. ازاح طرفا من ستائر المخمل ليطل من نافذته على أرض الحديقة بعد ان اشتعلت أعصابه
حريقا من سياط صخب الأصوات .
الشلة تتمدد حول مائدة عامرة وسط الزهور تسكب مشروبات
باهظة في بطون لا تمتلئ . ضحكة زوجته لا تخطئها أذنه . تفجرها بصخب ثم تحبسها
وتطلقها تئز بثنياتها المرتجفة المدربة فتصل إليه كأجراس كوبرا متخمة ابتلعت
فريستها على الفور.
هذه المجموعة العفنة . هؤلاء الضيوف الذين تدعوهم الهانم
. ما أبغضهم جميعا الى قلبه . عصابة من الشيوخ المتصابين والعجائز المدللات وطبول
مجوفة لا تعزف أي قيمة . ماذا يفعلون في بيته؟
يشربون ويأكلون على حسابه .
طغمة من الكلاب النهمة الجائعة .
يوما ما كان يرضيه أن يرى هذا الجمع يلتف حوله ويتملقه ،
وكان يتيه فخرا حين يقول بالأمس تعشى عندي البك والباشا و الأمير ورئيس مجلس
الإدارة . كل هذا كان سخافات الماضي .. الآن يعلو اسمه على لافتات .الناس في
الشارع يثابرون في حصر أمواله كتسلية فراغ .في صعوده وطأت أقدامه اعناقا
تشرئب .نجاحه في صفقة أخرس بسكتة قلبية منافسا له .يوم
أن جاءه اولاد المفلس المشلول يطرقون عطفه قال لهم عندكم المحاكم وكل شيء بالقانون
.
لا يدري كيف تزوج تلك المرأة.
الصفقة الخاسرة .بين صاحبات الفراء وحسناوات الماس
وغادات البارفان كان يعتريه الحنين الى المنبت
الى حيث نشأته .الى الدرك الأسفل .التقطها من هناك
.التصقت بدائرته .تلبي رغباته . تتفانى .لم ينفضها عنه لشدة اقترابها منه .واحدة
في ركب من يلبون الاشارة .لم يحبها يوما .
احاسيسه كلها تتجمع في اصابعه وهو يحصي اوراق البنكنوت
.في دوامة الصفقات تزوجها ... انجبت له المعجزة .حسناؤه الصغيرة .
الابنة التي ترعش قلبه عندما تحيط رقبتها بذراعيها
النحيلتين .كان يعي تماما ان امها تستنزف أمواله من ثقب نقطة ضعفه وتصنع لنفسها
ثروة مستقلة .فأرة الأمس الجائعة لا يشبع شراهتها تكدس المجوهرات حول اسفنجية
جسدها .يوم طالبها بحقوقه كزوج ، تفجرت اجراس ضحكة الحية ساخرة من شيخوخته
وكبرت الابنة وأصبحت هي الأخرى تعمل لحسابها .الفارق أنه
يعطيها هي بلا ضجر .قد يرفض مبدئيا لكنها عندما تجلس على ساقيه تداعب بدلال
اصابعها في غضون جبهته وتحيط عنقه بذراعيها البضتين
يطبق جفونه على قمم السعادة لتعبث كما تشاء في محفظته .
في زنزانة حجرته كأسد كهل أصبح يمتطيه الصغار ترك طرف
الستارة لتنسدل .يطلق زفرة بركان خامد في النور المعتم لا تلمع سوى أسنانه المحشوة
بالذهب .
تقع عينه على طعامه فوق الصينية الصغيرة .كالمعتاد وجبة
العيش والخضار المسلوقة في الماء بلا ملح يسبقها ويلحقها الى اهتراء غشاء معدته
دوائر ومستطيلات ومساحيق أدوية ثم مسامير حقن تنغرز في العروق النافرة والجلد المتداعي
الذي كان يوما يكسو بروز عضلات .ضغط الجرس يريد ابنته . غابة ثم أتت . تسلل كلبها
الصغير المدلل من بين سيقانها .
سبقها الى وسط الحجرة يرعش ذيله .وثب ناحية صينية الطعام
تشمم محتوياتها .تحول عنها سريعا وهبط يتمسح في أقدامها كأنه يطالبها بالانتهاء
سريعا من مهمتها فليس في الحجرة ما يغري على البقاء .الهواء النقي في الخارج .لشد
ما تطورت . نضجت أنوثتها .رغم جواهرها وأصباغها لم تزل الطفلة .لم تسأله عن صحته
.لم يعنها سماع رأي الطبيب في آخر زيارة لم تلتف الذراعان البضتان حول عنقه .قسوة
ترسمها قسمات وجهها تتأمله من وراء أهدابها الطويلة لأول مرة يلاحظ تقارب الشبه من
امها نفس الشفاه الرفيعة المزمومة والوجنات البارزة ودقات الحذاء العصبية على
الأرض رفع اليها عينيه في توسل تغافلت عما يريد .طالبته بلا رجاء بالسيارة الجديدة
.رفض ثار. صرخ فيها ان تغرب بعيدا عن وجهه .اندفعت خارجة .وحيدا تركته كلبها
الملعون يستدير وينبح في وجهه ثم يقفز خلفها بعد ان ادى مهمة ولائه لها .
الصداع يمزق خلايا رأسه .شبح الممرضة .يترك لها ذراعه
لتدق حقنتها .ربما نام. الظلام . حرارة لا تطاق . الوسادة لهيب .تقلب . نام على
ظهره ثم على جنبه .ارتد الى وضعه الأول .
تعمد أن يسعل حتى ينفض عن صدره الكابوس الذي يزهق انفاسه
.تثاءب لكن ضيق رئتيه أحال تثاؤبه نوبة اختناق .يتألم .الآلام في صدره وأكتافه .مد
يده يبحث عن زر المصباح المشدود الى رأس السرير لم يجده مكانه .
تلمسته أصابعه طويلا دون اهتداء. تأوه في انزعاج ثم توجع
.أقل جهد كفيل أن يضاعف الألم .كأن أحدا يحشو فمه بشوك من الأسلاك .بالرمال
الساخنة .النور . حلكة الظلام .نظرات الذعر تريد ان تستقر على الأشياء المألوفة
التي يراها كل يوم من حوله.
عصاه المركونة على الحائط .
زجاجة الماء . نظارته .الروب المنزلي المعلق على الشماعة
.
صورته على الحائط يحمل طفلته تحتضن رقبته .شعر بيد خفية
تدفعه الى حفرة ضيقة . تسدد انطباقها عليه .يحشر فيها بعنف.
فتحة الضوء تسدها اوراق البنكنوت تتساقط في خريف.
يصرخ صوته يتلاشى في المكان السحيق .الحية تطلق اجراسها
.ابنته من بعيد مبتورة الذراعين .
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
بحوث مدرسية جاهزة نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 commentaires: